الترخيص

 


لماذا قرر العاهل السعودي زيارة موسكو "فجاة"...؟

لماذا قرر العاهل السعودي زيارة موسكو "فجاة"...؟ربما لم نبالغ كثيراً عندما قلنا في هذا المكان أن المشهد السوري بشقيه السياسي والعسكري يقف على أعتاب تغييرات جذرية متسارعة منذ انهيار مفاوضات جنيف الثالثة، والتقدم الكبير الذي حققته قوات الجيش العربي السوري النظامي في ميادين القتال، ومحاصرته لمحافظة حلب بغطاء جوي روسي، وليس أدل على هذه التغييرات، و"الانقلاب" بالأخرى، الإعلان الذي صدر عن الكرملين عصر اليوم، وأكد أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز سيحط الرحال في العاصمة الروسية منتصف الشهر المقبل، ودون أي مقدمات.
زيارة العاهل السعودي كانت مقررة أواخر العام الماضي، ولكنها تأجلت حسب تحليلات وتقارير إخبارية احتجاجاً على التدخل العسكري الروسي الذي عزز وجود الرئيس السوري بشار الأسد، ومكن قوات جيشه من استعادة زمام المبادرة ميدانياً في أكثر من جبهة.
الإعلام الرسمي السعودي، وكتابه المقربون من النظام، شنوا طوال الأشهر القليلة الماضية حملات شرسة ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، بسبب سياسته الداعمه للرئيس السوري، وايران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأن هذه الزيارة الملكية إلى موسكو لن تتم، لأن الزيارات التي قام بها الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد إلى العاصمة الروسية أكثر من مرة، لم تنجح في تغيير موقف القيادة الروسية من دعم النظام السوري، رغم "المغريات" المادية الكثيرة التي طرحت أثناء المباحثات، ومن بينها شراء مفاعلات نووية، وصفقات أسلحة روسية واستثمارات تفوق قيمتها عشرين مليار دولار.
هناك خلافات رئيسية بين المضيف الروسي بوتين وضيفه السعودي الملك سلمان يمكن إيجازها في نقطتين رئيسيتين:
أولى: الحرب المستعرة في سوريا، ودعم المملكة العربية السعودية للمعارضة المسلحة وتزويدها بالمال والسلاح، وتوفير مقر لها في الرياض، وإصرارها، وعبر تصريحات مسؤوليها، وخاصة عادل الجبير وزير الخارجية، بحتمية رحيل الرئيس بشار الأسد قبل بدء أي عملية سياسية، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الأمر الذي رفضته موسكو بشدة وما زالت.
الثانية: الصدام الحاد بين البلدين حول السياسات النفطية، وكيفية وقف الانهيار الحالي في أسعار النفط، فالمملكة العربية السعودية ضخت أكثر من مليوني برميل إضافي من النفط، وأغرقت الأسواق لشلّ الاقتصادين الروسي والايراني، قبل أن تكتشف أن واشنطن حليفها التاريخي تتفاوض مع إيران سراً، وتنسق مع موسكو حول تغيير الأولويات في سوريا، وبما يؤدي إلى بقاء الرئيس السوري ونظامه، والتركيز على القضاء على "الدولة الاسلامية".
تحديد منتصف الشهر المقبل، أي بعد حوالي 35 يوماً تقريباً من الآن لزيارة العاهل السعودي لموسكو، ربما يكون مقصوداً ولإعطاء القيادة السورية وحلفائها الروس الفترة الكافية للإجهاز على المعارضة المسلحة، أو معظمها، مثلما تنبأ جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في صدامه مع أحد النشطاء السوريين، وإكمال إحكام سيطرة الجانبين على محافظة حلب، واستعادة السيادة السورية الرسمية على الحدود مع تركيا، وإغلاق المعابر، وبما يمنع وصول أي إمدادات عسكرية إلى المعارضة المسلحة، فالأنباء الواردة من جبهات القتال في ريف حلب الشمالي، تؤكد أن قوات الجيش السوري باتت على بعد بضعة كيلومترات من هذه المعابر الحدودية مع تركيا.
ما نريد قوله أن العاهل السعودي قد يصل إلى موسكو في وقت تملك القيادة الروسية وحليفها السوري اليد العليا في الملف السوري، وبما يؤدي إلى مرحلة جديدة من التركيز على كيفية التنسيق بين البلدين في القضايا المشتركة، وأبرزها التعايش مع الواقع الجديد في سوريا، وبقاء الرئيس الأسد، والتركيز على كيفية مواجهة خطر "الدولة الاسلامية" التي تشكل خطراً استراتيجياً على الطرفين.
السفير الروسي في الرياض لمحّ إلى هذه المسألة بوضوح في حديثه الذي أدلى به لوكالة "تاس" الرسمية الروسية حول زيارة العاهل السعودي عندما قال "إن روسيا والسعودية تعملان معاً بنشاط من أجل منع القوى الهدامة من هدفها الرامي إلى إطلاق دوامة الصراع بين الحضارات، وهو الشيء الذي يسعى إليه تنظيم داعش والتنظيمات المشابهة الأخرى".
وبشأن الملف السوري أوضح السفير "في إطار المشاورات المشتركة يبحث البلدان عن تفهم موحد لسبل حل القضايا الانسانية في سوريا ووقف إطلاق النار وتحقيق الأهداف الأخرى ذات الأولوية في استعادة الاستقرار في سوريا".
كلام السفير الروسي ينطوي على قدر كبير من الدبلوماسية، ولكنه يسلط الأضواء على مرحلة جديدة في سوريا تؤكد على تثبيت الوضع الراهن، أي بقاء النظام ورئيسه، والتعاطي مع الأمور الأقل أهمية مثل وقف إطلاق النار والقضايا الانسانية، واستعادة الاستقرار في سوريا، أو هكذا نفهمه.
العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفه العائد للتو من زيارة لموسكو، ربما كان الأسرع التقاطاً للتغييرات في المشهد السوري والنوايا السعودية المستقبلية للتعاطي بإيجابية أكبر مع الوقائع الجديدة على الساحتين السياسية والعسكرية والميدانية، عندما أهدى الرئيس بوتين ما سماه "سيف النصر الدمشقي"، وهو سيف عربي فاخر، وقيل أنه تمنى "ضمنياً" النصر لروسيا، ونسبت بعض المصادر إلى الشيخ خالد بن حمد آل خليفة وزير خارجية البحرين قوله "أن الملك حمد بن عيسى يقدر دور روسيا في مساعدة سوريا على الخروج من المحنة الصعبة، لأن دورها، أي روسيا، مهم وعلى جميع دول العالم التعاون معها لتثبيت الأمن والاستقرار في سوريا".
العاهل البحريني الحليف الأوثق للمملكة العربية السعودية، والذي تدخلت قوات الأخيرة عسكرياً لحماية عرشه، في مواجهة حراك شعبي تزامنت مع انتفاضات "الربيع العربي"، ما كان يتخذ مثل هذه المواقف التي لم يصدر أي نفي رسمي لها حتى كتابة هذه السطور، دون إدراكه حدوث تغيير في الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية، والاقتراب بالتالي بشكل أكبر للموقف الروسي حول كيفية حلها.
زيارة العاهل السعودي لموسكو هي "رسالة غضب"، وليس "عتاباً" فقط، للإدارة الامريكية التي خذلت المملكة وحلفاءها الأتراك والقطريين، وتبنت وجهة النظر الروسية حول كيفية حل الأزمة السورية، وكأن لسان حال العاهل السعودي يقول للأمريكان ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهم بالأمس لأنهم رفضوا اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حركة "ارهابية"، "لقد فقدنا الثقة بكم كحلفاء خلص، وسنذهب إلى موسكو مباشرة دون الاستعانة ببوابتكم".
ربما من السابق لأوانه التكهن بكل ما يمكن أن تسفر عنه زيارة العاهل السعودي من اتفاقات مع موسكو، ولكن ما يمكن قوله أنها تعكس استعداداً للتعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، بما في ذلك التنسيق المشترك، والتفاهم حول كيفية السيطرة على أسعار النفط، من خلال تخفيض الإنتاج وإنهاء التخمة في الأسواق العالمية، خاصة أن هناك أنباء ترددت قبل أيام توحي بمثل هذه الخطوات بين الجانبين السعودي والروسي، هذا إلى جانب الملف السوري طبعاً.
الإدارة الامريكية ربما تكون الخاسر الأكبر من هذه الزيارة الملكية، ولو على المدى القصير على الأقل، ومن غير المستبعد أن تهيىء، أي الزيارة، السلّم لخروج السعودية من حفرة اليمن العميقة التي وقعت فيها، ولم تتمكن من الخروج منها طوال الأشهر العشرة الماضية.
القيادة السعودية ربما أدركت أن السياسات التي تبنتها طوال العام الماضي أعطت نتائج عكسية تماماً، ولا بد من مراجعتها، وزيارة الملك سلمان هي الخطوة الأبرز في هذا الصدد، أو هكذا نعتقد.. والأيام بيننا.

المصدر: وكالات الانباء
اترك تعليقا

فيديو اليوم
الاخبار
  • اخر الاخبار
  • الاكثر قراءة
  • تعاليقات
التقويم المنشورة
«    Сентябрь 2023    »
ПнВтСрЧтПтСбВс
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930