
اسباب للتدخل الروسي في سوريا
في نهاية شهر اكتوبر (تشرين الاول) لهذه السنة في بريطانيا تم الكشف عن التقرير السري التحليلي الذي وضعته المخابرات الانكليزية لرئيس الوزراء غارولد ماكميلان منذ 60 سنة تقريبا. في 1957 زعم ابطال الاعمليات السرية من بريطانيا بتاكيد الذين كانوا يعرفون الوضع في منطقة الشرق الاوسط جيدا من اوقات لورينس العربي (توماس ايدوارد مورينس) : "سيكون علي موسكو ان تعتبر اسقاط النظام السوري كالفشل الجدي لنفسها في الشرق الاوسط...... يمكن توقع رد فعلها العاصف و الحاسم". انطلق ضباط المخابرات من انه ما دام يقود الحزب الشيوعي الاتحاد السوفيتي فستبقي سياسته الخارجية و الدخلية خاضعة للايديوجية للغاية. و بعد ذلك انطلاقا من مبدأ اممية الطبقة العاملة ستدعم كريملين بصورة متوالية الحركات الوطنية التحررية في دول الشرق الاوسط. ان سوريا التي تحصلت الاستقلال من فرنسا في 1946 فعين قادة كريملين لها دور الحليف الاستراتجي الرئيسي في هذه المنطقة قابلة للانفجار.
ان سوريا التي يقودها من 1963 تحت الشعار "الوحدة. الحرية. الاشتراكية" حزب البعث كانت تعتبر ايضا الاتحاد السوفيتي الشريك السياسي العسكري و التجاري الاقتصادي. في ظروف المواجهة العسكرية مع اسرائل كان يتمتع بالطبع التعاون العسكري الفني باسبقية. و كان يورد الاتحاد السوفيتي الي سوريا باسعار رمزية الاسلحة و المعدات العسكرية، يبعث الخبراء العسكريون لتقديم المساعدة في تدريب اركان الحرب، لاستخدام و اصلاح الاسلحة و المعدات التي تم توريدها و يقدم المساعدة في تدريب الكوادر العسكرية و في بناء المشاريع العسكرية المختلفة و الخ. و مكنت سوريا الاتحاد السوفيتي من بناء القواعد العسكرية البحرية في اللاذقية و طرطوس.
في جميع الحروب العرببية الاسرائلية في الرن 20 باستثناء الحرب الاولي (1948-1949) عندما دعمت القيادة السوفيتية اليهود الفلسطنيين كان الاتحاد السوفيتي الحليف الامين لسوريا.
في 27.10.2015 نشرت الجريدة "كراسنايا زويزدا" (النجم الاحمر) و هي لسان الحال لدي وزارة الدفاع للاتحاد الروسي (مقالة اليكسندر كولوتيلو "تحت الشمس الحار لسوريا") الارقام الرسمية التي تصف نطاق الوجود العسكري السوفيتي في سوريا. وفقا للمعلومات لاركان القوات المسحة للاتحاد الروسي تم البعث خلال الفترة من 1956 حتي 1991 الي سوريا من قبل وزارة الدفاع للاتحاد السوفيتي
16282 عسكري و منهم 294 جنيرال، 11169 ضابط و ضابط الصف ، 2179 جندي و عريف و 2016 عامل و موظف الجيش السوفيتي و الاسطول البحري العسكري. اشترك المستشارون العسكريون و خبراء القوات المسلحة للاتحاد السوفيتي (طيارون، جنود المدفعية المضادة للطائئرات، ممثلو اصناف القوات المسلحة الاخري) مباشرة في العمليات القتالية في الجبهة السورية الاسرائلية من 5 حتي 13 يونيو (حزيران) 1967 (حرب 6 ايام)؛ خلال مارس (آذار) – يوليو (تموز) 1970 (حرب الاستنزاف)؛ خلال سيبتمبر (ايلول) – نوفمبر (تشرين الثاني) 1972 (الحرب في الجو)؛ من 6 حتي 24 اكتوبر 1973 (حرب يوم القيامة) بما في ذلك في 1982 (الحرب اللبنانية) و في 1983 (الاحتلال و الحصار البحري بقوات الحلف الاطلاسي). لقوا 44 شخص مصرعهم من الجروح و الامراض.
في سوريا كانت تجد المنظمات المعادية للاستعمار و للصهيونية نفسها بالراحة و هذه المنظمات كانت تدخل في منظمة تحرير الفلسطين و تتمتع بدعم كريملين المالي و المادي. و هذا خلافا لان نشطات تلك المنظمات كالجبهة الشعبية – القيادة العامة، الجبهة الشعبية – القيادة الخاصة، منظمة ابو ننضال و الاخري التي كانت تعتبرها الاسرائل، الولايات المتحدة و حلافائها الاوروبية ارهابية. و تم تبرد العلاقات السورية السوفيتية في منتصف الثمانينات للقرن 20 و السباب لهذا التبرد هو هزيمة الاتحاد السوفيتي في "الحرب الباردة". باستخدام مكافحة الارهاب الدولي كالحجة بدأ رئيس الولايات المتحدة رونلد ريغان "الحرب الصليبية" ضد الاتحاد السوفيتي، "امبراطورية الشر"، الحركات الوطنية التحررية التي كانت تتمتع بدعم موسكو. و بهذا السبب وقعت سوريا مع الدول الاخري التي كانت تتمسك بالنهج المعادي للولايات المتحدة في قائمة الدول الطريدة و الممولة للارهاب.
ان الاتحاد السوفيتي الذي كان ينزلق انذاك بصورة متوالية الي الازمة العميقة الشاملة لم يعد يواجه سياسة الولايات المتحدة و اسرائل في الشرق الاوسط. و الرئيس السوفيتي ميخائل عورباتشوف اذ يتنازل عن اسبقية القيم الطبقية امام القيام اللانسانية بدأ يتدين "التفكير الجديد". و انتهج غورباتشوف الرفض التدريجي عن دعم العرب الشامل غير المغرض و استئناف العلاقات الدبلوماسية مع اسرائل. من 1987 بدأ يورد الاتحاد السوفيتي دمشق بتكليفة اساسية فقط و نتيجة لذلك اصبح الدين السوري لموسكو يساوي 13 مليار دولار. وصل الامر الي الحد عندما لم تقدر سوريا ان تدفع ديونها و بدأ تهدد بعدم الاعتراف رويسيا كمتتابعة الاتحاد الوفيتي.
فضلا عن الاسعار العالية لموارد الطاقة اجتاز الاتحاد الروسي فترة التدهور الاقتصادي ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و ادخر الاحتياطات الضخمة من الذهب و العملة الصعبة ساوت مقدارها 533 مليار دولار في 2013. حتي الان بالرغم من العقوبات الاقتصادية، انخفاض اسعار النفط، التدابير الرامية الي دعم نهج العملة الوطنية و دفع الديون الخارجية تدخل روسيا من حيث مستوي الاحتياطات الدولية و مقدارها 366,18 مليار دولار قائمة 10 دول العالم المتقدمة. فورا بعد تحقيق التحركات الايجابية في الاقتصاد و استقرار المجال المالي بدأ الاتحاد الروسي ان يتحرك في اتجاه تجديد وضعه الامبراطوري. استخداما بصورة تقليدية الحجج المستعارة من الاتحاد السوفيتي كالاسلحة النووية، النفط، الغاز و الثروات الطبيعية الاخري تفرض موسكو من الجديد ارادتها علي الدول المستقلة للاتحاد السوفيتي السابق و كذلك علي حلفاءها السياسية العسكرية في الشرق الاوسط.
ابتداءا من منتصف 2000 تجدد كريملين مشاركتها الاستراتجية بسوريا. في سنة 2005 اعفت روسيا سوريا عن 10 مليار دولار من الديون بدلا من ضمانات الطلبات الجديدة لتوريد الاسلحة. من سنة 2010 استنشطت المشاورات بخصوص تكامل سوريا في الاتحاد الجمركي للاتحاد الاوروبي الآسيوي و عبرت القيادة السورية اكثر من مرة نياتها في استمرار الاتفقيات عن انشاء منطقة التجارة الحرة مع بيلوروسيا، كزاخستان و روسيا.
من المفهوم حالما ارتجحت السلطة لرئيس سوريا بشار الاسد غير المحترم للغاية بين شعبه تحت ضربات المعارضة السورية المعتدلة ("المجلس الوطني السوري"، "التحالف الوطني للقوات السورية الثورية و المعارضة"، "المجلس الكردي الاعلي"، "جبهة النصرة") التي تتمتع بدعم الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي و المنظمة الاسلامية الارهابية الدولية "الدولة الاسلامية" (قبل الوقت القريب "داعش" – الدولة الاسلامية للعراق و الشام) اندفعت كريملين بصورة حاسمة الي انقاذ نظام حليفها الامين. في البداية حاولت موسكو بالاساليب الدبلوماسية ان تجبر ممثلي المعارضة السورية للرفض عن الصراع المسلح مع بشار الاسد و لكن عندما اصبحت هذه الجهود غير كافية توسلت كريملين بالتدخل العسكري.
ان اسباب قرار كريملين عن التدخل في النزاع متعدد المقايس في سوريا و بدء انزال الضربات لاراضيها و لها الطبيعة المتكاملة.
الرواية الاولي – المعادية للارهاب التي يتكلم عنها كثيرا رئيس الاتحاد الروسي فلاديمر بوتين و مرؤوسون. يصرون ان الهدف الرئيسي لاشتراك روسيا في العملية المعادية للارهاب في سوريا وفقا لطلب الرئيس بشار الاسد هو مساعدة السلطة السورية في مكافحة الدولة الاسلامية و المنظمات الارهابية الاخري التي تعمل في اراضي الدولة. تقنع كريملين ان نشطات الدولة الاسلامية تحمل التهديد لامن البشرية لان قادتها ترغب انشاء الخلافة العالمية التي تدخل فيها المناطق المختلفة من روسيا – من القوقاز الشمالي حتي نهر فولغا، اجبال اورال و سيبيريا. بالاضافة الي ذلك تتجاوب الازالة لمثل هذا التهديد المصالح الوطنية للاتحاد الروسي.
الرواية الثانية – الجيوسياسية (العالمية). يعتبر انصارها ان كريملين تحتاج الي نظام الاسد للغاية كي تحافظ علي الوجود العسكري في المنطقة و تشكل تحالف الانظمة الشيعية لايران، سوريا و العراق. حسب رأي الاستراتيجيين في كريملين مثل هذا التحالف قد يواجه بالنجاح في الشرق الاوسط و الخليج سياسة الولايات المتحدة التي يدعموها شيوخ القطر، الكويت، الامارات العربية المتحدة، المملكة السعودية و الدول السنية الاخري. قد بحثت وكالة "فيكتور نيوز" جزئيا في الدوافع الجيوسياسية في المقالة "في الخندق اواحد مع حزب الله. ما هي المصالح الوطنية التي تدافع عنها روسيا في سوريا من 02.10.2015 " . و اهتمت هذه المقالة بسعي كريملين الي اعادة وضع الدولة البحرية الكبري و تعزيز الوجود العسكري البحري في البحر الابيض المتوسط. و كان يدور الكلام في المقالة عن مخططات موسكو في تحديث النقطة البحرية العسكرية في طرطوس (سوريا) و بناء الاغراض المماثلة في جزيرة سقطراء و في طرابلس (ليبيا). و لكن نتيجة للانتفاضة في اليمن، اسقاط ديكتاتور القذافي في ليبيا التي دخلت التأريخ كمراحل "الربيع العربي" لا تكاد تنفذ هذه المخططات. علي العموم تقبل نتالئج الربيع العربي في كريملين بصورة اليمة. لمح بوتين شخصيا الي تورط الولايات المتحدة و الغرب في حث تغيير الانظمة الضارة لها و لذا تعتبر سوريا التي سلمت من الربيع العربي الحد الاخير لمكافحة النشر لمعايير الحياة اليورواطلاسية في منطقة الشرق الاوسط.
الرواية الثالثة – الطاقة التي يجب بحثها من الوجهتين للنظر: سوريا كمصدر حملة الطاقة و سوريا كالدولة الناقلة. لا تنتسب سوريا من حيث اححتياط الهيدروكربونات الي زعماء العالم. لم يتم الاثبات للاخبار المثيرة التي نشرتها وكلات الانباء الروسية عن كشف بشركة الابحاث الجيولوجية النورويجية المجهولة احتياطات البترول الضخمة في مياه سوريا الاقليمية و الغاز الطبيعي في الرصيف الصخري للشواطي. في الحقيقة تساوي حجوم مواطن النفط التي تم تنقيبها في سوريا 0,3 مليار طن (2,5 مليار برمل) ما يتناسب المقام 33 في العالم بقسط 0,1 % من احتياطات العالم. من حيث احتياطات الغاز الطبيعي التي تم اثباتها تحتل سوريا المقام 34 في العالم بمقدار 0,3 ترليون متر مكعب (0,2 % من الاحتياطات العالمية). مع ان لا تعتبر سوريا منتج حملة الطاقة الضخم ابتداءا من 2000 تشتغل في سوريا بصورة نشيطة لغرض استعمال المواطن المنقبة و اجراء اعمال التنقيب الجيولوجية الشركات الروسية "تات نفط"، "ستروي نيفتي غاز"، "سيوز نيفتي غاز" و الاخري. في روسيا التي يترتب 60-70 % من الانتاج الاجمالي علي النفط و يتعلق مباشرة بتصدير الهيدروكربونات يذكرون جيدا منتصف 80 للقرن الماضي عندما زادوا فجاءة شيوخ السعودية في التأمر مع الولايات المتحدة استخراج النفط و اهبطوا بذلك السوق العالمية لحملة الطاقة. و انخفضت انذاك الاسعار التي تعلقت بها قدرة الاتحاد السوفيتي علي تمويل الجيش، الانتاج العسكري الصناعي، دعم الاستقرار في الدولة من 28 حتي 10 دولار لبرمل. في الحقيقة فقدان الارباح الفائقة من الدلارات النفطية جعل تتدهور الدولة الجبارة. زعماء كريملين العصريون بعد استيعاب دروس الماضي يفهمون ان سوريا اذ تتمتع بالخروج الي البحر الابيض المتوسط و بالحدود المشتركة مع العراق و تركيا قد تلعب اهم دور في نقل حملة الطاقة من دول الشرق الاوسط و الخليج الي اوروبا حتي في مستوي المنطقة. يسمح تغلب روسيا في سوريا بتعزيز مراقبة الاسواق الاوروبية للطاقة و الاشتراك اكثر نشاطا في تشكيل الاسعار العالمية لهيدروكربونات و من جراء ذلك تأمين ورود الدلارات النفطية الي روسيا مما يؤدي الي تخفيض تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب.
تغير الوضع بصورة اصلية في سوق الشرق الاوسط للطاقة في نهاية القرن 20 عندما تم الكشف لموطن النفط و الغاز الضخم "الشمالي/بارس الجنوبي" الذي يعد اكبر موطن في العالم – 28 ترليون متر مكعب من الغاز و 7 مليارات طن من النفط (45 مليار برمل). يتواجد هذا الموطن في الجزء المركزي للخليج في المياه الاقليمية للقطر (الشمالي) و للايران (بارس الجنوبي ). ان عامل "بارس الجنوبي هو الشركة الايرانية النفطية "نيؤس" و من بين الشركات التي تقوم بالتعدين هي الشركة الروسية "غازبروم"، الشركة الفرنسية الغازية النفطية "توتال" و اكبر شركة ايطالية "ايني". ازدادت العلاقات بين روسيا، الدول المصدرة للطاقة و الااتحاد الاوربي حدة علي وشك الازمة السورية عندما بدأت ايران و القطر تدرس بصورة مستقلة طروق بناء خطوط انابيب الغاز لتصدير الموارد من موطنها المشترك. كان علي خط انابب الغاز القطري ان يمر عبر السعودية – الاردن – سوريا – تركيا الي اوروبا. حسب الخبراء فورا ان دخول الغاز القطري في السوق الاوروبية سيسبب انخفاض اسعار الغاز لان تكلفته اقل بصورة اصلية من تكلفة الغاز الذي يصدره "غازبروم". في نهاية المطاف في سنة 2012 فضلت دمشق المشروع الايراني عندما وقع في بوشير مذكرة النوايا مع ايران عن تنظيم مرور الغاز الايراني الي اوروبا عبر العراق الي سوريا بدون المرور عبر الاراضي التركية. وهذا تسبب رد الفعل السلبي في القطر و حدد مواقف الاطراف في الازمة السورية: يدعم القطر المعارضة و بقت ايران حليفا لبشار الاسد. يعتقدون انه تدافع كريملين ايضا عن نظام بشار الاسد انطلاقا من فهم الصعوبات التي قد تواجهها روسيا في حالة هزيمة السلطة السورية الحالية و بناء خط انابيب الغاز عبر اراضي سوريا.
في يوم 27.10.2015 خلال لقاء وفد البرلمان الروسي برئيس سوريا بشار الاسد دعا الاخير اذ يورد مثالا علي الشركة "سويوز نيفتيغاز" التي لديها الاتفاق لتعدين الرصيف الصخري للشواطي الشركات الروسية الاخري الي تطرير التعاون. حسب قول الديكتاتور السوري تشتغل في المستقبل في سوق طاقة سوريا تلك الدول فقط التي تساعد دولته قبل كل شيئ روسيا و ايران. ستعرض نتائج اشتراك رئيس الاحاد الروسي فلاديمر بوتين في مؤتمر القمة الثالث للدول المصدرة للغاز الذي ينعقد في ايران في 23.10.2015 درجة برهان رواية الطاقة للتدخل الروسي.
الرواية الرابعة – الدبلوماسية. يعتقد الكثير من الخبراء ان كريملين اذ تتورط في النزاع المدني في سوريا ترغب اختراق العزل الدولي الذي تقع فيه روسيا نتيجة لالحاق كريم و العدوان العسكري في دونباس (المنطقة الشرقية لاوكرانيا ). و تثبت هذا بجهود بوتين الفاشلة الرامية الي تنظيم اللقاء بين براك اوباما و رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف بغرض بحث سبل حل الازمة السورية. تعرض نتائج لقمة 20 دولة كبري في تركيا درجة نجاح جهود بوتين.
الرواية الخامسة – الدعائية. يصر انصار الرواية هذه ان بوتين تجرأ علي مثل هذه الخطوة الخطيرة لصرف المجتمع الروسي عن رد فعل العالم السلبي علي الاعمال العسكرية للاتحاد الاوروبي في اوكرانيا و لرفع شعبيته الي الارتفاعات العالية للغاية. و ليس بلا الاساس هز سيمين باغداساروف و هو رئيس المركز الروسي لدراسات دول الشرق الاوسط و اسيا المركزية في برنامج القناة الدعائية "روسيا 24 " هز العالم بالتصريح ان الاماكن المقدسة للروس توجد ليس في كريم الاوكراني فقط فحسب بل في اراضي سوريا: "هذا ارضنا. جاءت الحضارة منه الينا بالضبط... لو لم تكن سوريا فلن تكون روسيا. هذا اماكننا المقدسة! ". يمكن السماع ايضا من بعض الخبراء الاسناد الي الرواية الخصة بنظرية النزاع لساموئل خانتينغتون. حسب رأيهم سبب الازمة السورية كمكون ازمة الشرق الاوسط يشترطه خط الكسر بين الحضارات الغربية (المسيحية) و الاسلامية الذي يمر عبر ارلضي سوريا. يعتقد الخبراء الاخرون انه لا يجب رفض علي البديهة تأثير النزاع الآبدي بين الشيعة و السنة علي اسباب العقدة السورية من التناقضات.
ليس من الضروري ان يكون الشخص خبيرا في مجال مكافحة الارهاب كي يفهم ان اعمال كريملين في سوريا خطيرة للغاية اخذا بعين الاعتبار امكانية نقل المرحلة النشيطة للمواجهة الارهابية الي اراضي روسيا. و لكن في 22.10.2015 عندما كان بوتين يلقي الخطاب في جلسة ندوة المناقشات "فالداي" صرح بصورة انفعالية ان من جراء القصفات في سوريا "لم يصبح التهديد الارهابي لروسيا اقل او اكثر". بعد الاسبوع من هذا التصريح الحتمي في يوم 30.10.2015 سقطت طائرة الركاب الروسية "ايرباس – 310 " في مصر. و كان علي متنها 217 راكب و 7 اشخاص الطاقم. لم يبق احد حيا و منهم 4 اوكرانيين. الرواية الاساسية للكارثة الجوية هي العملية الارهابية التي نفذتها مقاتلون من "داعش". بعد العمليات الارهابية الفظيعة في بارس لم يكن بوتين فطعيا كما كان من قبل. ان بوتين اذ يحاول ان يطمأن الروس الذين يقبرون اقاربهم خفية و هولاء الاقارب يلقون مصرعهم ليس في دونباس فقط ففي سوريا البعيدة كان يقنع: "حسبنا اكثر من مرة للمخاطرات و العواقب المحتملة بدقة لعملياتنا في سوريا و رأينا سابقا جميع الموارد اللازمة للعملية مهما كانت المالية او الفنية". لعل حسبت كريملين سابقا الخسائر القتالية في الوقت السلمي بين العسكريين التي جعلوا عددها سريا في روسيا بمرسوم رئيس الاتحاد الروسي بوتين من مايو (ايار) 2015.
عندما انظر الي سكان كييف و ضيوف العاصمة الذين يختلفون في اديانهم و جنسياتهم، الشبيبة و المسنون وهم يحملون الزهور بسكوت و بدون المظاهرات الي سفارة روسيا في اوكرانيا تذكارا للناس الذين لقوا مصرعهم في الكارثة الجوية تظهر الافكار المتناقضة. و لم يذكر سير الناس ابدا فعل السماح العمومي اخذا باعتبار الالم و الذاكرة عن ابطال المئة السماوية، عن ضحايا حصار ايلوفايسك، عن مدافعي مطار دونيتسك و الاف سكان دونباس السلميين الذين لقوا مصرعهم من القذائف الصاروخية الروسية "غراد". لعل بهذا السبب بالضبط انه بقت للابد لدي المواطنين المعتزين و النبلاء في المستوي التولدي مخاوف الثورات، الحروب، الجوع، الاحتلال الفاشي النازي لم تكن سلوكهم علي غير ذلك. درست احداث السنوات الاخيرة الاوكرانيين ان يفرقون بين الروس و "مصاصون الدماء من كريملين" و لذا كانت رغبة المشاركة في ويل الخسائر حتي مع هولاء الاشخاص الذين باشارة كريملين تدخلوا اراضينا كالمحتل طبيعية. و في نفس الوقت يظهر السؤال: هل يمكن ان يحدث مثل هذا في موسكو حيث قد شارع يلاحق من جراء الكتاب الاوكراني؟ و علي العموم كم مواطن قوي الروح بقي اليوم في روسيا يستطيع يقدر الاندفاع النبيل للاوكرانيين الذين كذبت عليهم الدعاية الروسية.
ان زعماء كريملين العصريين اذ يجلسون علي انابيب الغاز و لديهم الشنطة النووية يجدون من الافضل النظر الي اوكرانيا بواسطة مهداف رشاش كلاشنيكوف. لعل يظهر عندهم دوريا السؤال لماذا الاوكرانيون الملعونون اذ يتمتعون بالامكنيات الكبيرة، الخبرة القتالية و التدريب الخاص اختلافا من مقاتلي "داعش" و الشيشان يمتنعون عن اجراء العمليات الارهابية ذات الصدي الواسع ضد روسيا ؟ ألا تنقص اوكرانيا إلا الدواعي، الجراءة او لعل نجحت روسيا حقيقة في انشاء نظام مقاومة الارهاب الفعال ؟ لا يقدر بوتين و اتباعه ان يدركون ان مواطنين اوكرانيا يدافعون عن ارضهم من الارهابيين و المرتزقة و لا يريدون مشابهتهم. ان نظام الاحداثيات التي يشتغل فيه الموظفون الروس ذوي المقامات الرفيعة لا يمكنهم من الادراك انه توجد في العالم القيم اكثر اهمية من الارباح المتعلقة بتجارة الاسلحة، النفط و الغاز.
بورس دنيبروف، الحلل